حديث من رأى بحروب الردة طائراً يخرج من فمه وعبرها باستشهاده وهناك من عبرها بغير ذلك.
قال الطفيل رضي الله عنه:
إني قد رأيتُ رؤيا فاعبُروها لي رأيتُ أنَّ رأسي قد حُلِقَ وأنَّهُ قد خرج من فمي طائرٌ وأنَّ امرأة لقيتني فأدخلتني في فرجِهَ، ورأيت أن ابني يطلبُني طلبًا حثيثًا ثم رأيتُه حُبِسَ عني، قالوا خيرًا رأيت، قال أما والله إني قد أوَّلتُها، قالوا وما أولتها: قال أما حلقُ رأسي فوضعُه وأما الطائرُ الذي خرج من فمي فروحي، وأما المرأةُ التي أدخلتني في فرجِها فالأرضُ تُحفرُ فأغيبُ فيها وأما طلبُ ابني إيايَ ثم حبسُه عني فإني أراهُ سيجتهدُ لأن يُصيبَه من الشهادة ما أصابني. فقُتِلَ الطفيل شهيدا باليمامة، وجُرِحَ ابنُه عمرو جراحا شديدا، ثم قُتِلَ عام اليرموكِ شهيدًا في زمنَ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.ُ *1
التفصيل
قال ابن القيم في زاد المعاد بعد القصة: وأما تعبيره حلق رأسه بوضعه، فهذا لأن حلق الرأس وضعُ شعره على الأرض، وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه، فإنه دال على خلاص من هم، أو مرض، أو شدة لمن يليق به ذلك، وعلى فقر ونكد، وزوال رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك،

ولكن في منام الطفيل قرائن اقتضت أنه وضعُ رأسه، منها أنه كان في الجهاد، ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس. ومنها أنه دخل في بطن المرأة التي رآها، وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه، ورأى أنه دخل في الموضع الذي خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض، كما قال تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) [ طه: ٥٥ ].

فأول المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء، وأول دخوله في فرجها بعوده إليها كما خلق منها،

وأول الطائر الذي خرج من فيه بروحه، فإنها كالطائر المحبوس في البدن، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذي فارق حبسه، فذهب حيث شاء، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، (إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة “*1

*1- دلائل النبوة- للبيهقي- (السفر الخامس/ص 362- 363 ) – دار الكتب العلمية- بيروت- دار الريان للتراث – القاهرة – ط1/ 1408هـ 1988مـ – ” وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية، وقال: هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد. ثم ذكر ابن كثير لها شواهد عند الإمام أحمد”.
*1- زاد المعاد لابن القيم-(3 /548-549) – فصل في فقه هذه القصة-مؤسسة الرسالة- بيروت- لبنان-ط/3، 1418هـ – 1988م. والحديث : إنما نسمة المؤمن في سنن النسائي ( 4/231) – كتاب الجنائز- باب أرواح المؤمنين – ح: 2073 – بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع – الرياض – وأخرجه أحمد ومالك، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: إسناده صحيح على شرط الشيخين… ومعنى يعلق أي يأكل ويرعى.