ليلة القدر في الرؤى

يشيع بين الناس في ايام رمضان من كل سنة بعض الأخبار عن تحديد ليلة القدر، وأنها بليلة كذا أو ليلة كذا، وقد أشيع العام الماضي عني أني حددت ليلة القدر في ليلة خمس وعشرين، وإبراء للذمة أحب أن أوضح التالي:

سؤال / هل من المصلحة تحديد ليلة القدر؟ وما حكم ما يفعله البعض من الإخبار بها أو تحديدها – بناءً على الرؤى – وبدعوى الحث على قيامها، أو الاجتهاد فيها؟

أجيب على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:

  • تعبير الرؤى يقوم على الظن ولا يقوم على القطع، كما أني أحذر من إدخال الرؤى في جانب العبادات، فالدين قد كمل.
  • أننا نقر بأن رؤيا المؤمن حق، وأنها جزء من أجزاء النبوة، ونحن أيضا مع التبشير بالخير بدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة ).*1 ولكن قد تكذب رؤيا المؤمن أيضا، ولا مرجع له العصمة اليوم يقطع بهذا أو بهذا.
  • أن صدر هذه الأمة أفضل أقوالا وأفضل أعمالا من آخرها، وكانوا يحيون الشهر بأكمله، ولن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح بت ( به ) أولها.
  • أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يُخبر الصحابة بليلة مُعينة، وإنما أخبر أنها في العشر الأواخر، أو السبع الأواخر، وهذا قاله بعد أن علم بأن رجالا من أصحابه رضي الله عليهم، أُروا ليلة القدر في المنام، فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري في الصحيح: عن ابن عمر رضي الله عنه أن أناسا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن أناسا أروها في العشر الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوها في السبع الأواخر”. *2

وهذه القضية كانت من الأمور المهمة التي اشتغل بها الصحابة رضي الله عنهم، حتى ورد أنهم كانوا يعتكفون في العشر الأوسط طلباً لها، وهذا قبل أن يحددها النبي بالعشر الأواخر.

  • أُري الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة القدر، وخرج ليخبر الصحابة بها، ثم أُنسيها، وأخبر أنه رأى في المنام أنه يسجد في ماء وطين، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد – وكان من جريد النخل – وأقيمت الصلاة، قال الراوي: فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته، وهذا تصديق لرؤياه صلى الله عليه وسلم، فانصرف من صلاة الصبح ووجهه مُمتلئ طينا وماءً. *3
  • جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى – أي تخاصم وتجادل – فلان وفلان، فرُفِعَتْ، وعسى أن يكون خيرا لكم… ). الحديث. *4

وقد استنبط السبكي الكبير من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها، قال: ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدر له فيستحب اتباعه في ذلك. *5 

  • معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( عسى أن يكون خيرا لكم ).: أن ليلة القدر لو عُيّنت في ليلة بعينها حصل الاقتصار عليها ففاتت العبادة في غيرها، وهذا حصل ويحصل من كثير من الناس، حتى أن هناك بعضا يقوم الليلة التي يشاع أنها ليلة القدر، ويترك ما سواها، وهذا خطأ كبير – كما بيناه سابقا – .
  • من الأفضل للمسلمين عدم تناقل مثل هذه الأخبار عن تحديد ليلة القدر، أو نشر بعض أقوال المعبرين عنها، على أنها ليلة كذا وكذا من الشهر، لما ثبت من النقول الصحيحة، من أن إخفاءها كان لحكمة وفيه خير للأمة، والخير في اتباع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • المطلوب من المسلمين بعامة الاجتهاد والعبادة والعمل في هذا الشهر كله، والعشر الأخير منه بخاصة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: ( إذا دخل العشر شدَّ مِئْزرهُ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله ).*1، وفي هذا إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة، ختم الله لنا بخير، آمين يا رب العالمين.

…………………………………………………………………………………….

*1- فتح الباري (12/464)- كتاب التعبير- باب المبشرات.

*2- فتح الباري- ( 12/469)- كتاب التعبير – باب التواطؤ على الرؤيا.

*3- فتح الباري الجزء ( 4 )-  كتاب فضل ليلة القدر، وكتاب الاعتكاف.

*4- فتح الباري- (4/337)- كتاب فضل ليلة القدر، باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس337.

*5- المصدر السابق ص 338

*1- فتح الباري- ( 4/338)- كتاب فضل ليلة القدر- باب العمل في العشر الأواخر من رمضان.